سورة الحديد - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحديد)


        


قوله تعالى: {سَبَّحَ لله ما في السموات والأرض} أمّا تسبيح ما يعقل، فمعلوم، وتسبيح ما لا يعقل، قد ذكرنا معناه في قوله تعالى: {وَإنْ مِنْ شيء إلا يُسَبِّحُ بحمده} [الإسراء: 44].
قوله تعالى: {هو الأول} قال أبو سليمان الخطابي: هو السابق للأشياء {والآخِر} الباقي بعد فناء الخلق {والظاهر} بحججه الباهرة، وبراهينه النَّيِّرة، وشواهده الدَّالة على صِحَّة وحدانيته. ويكون: الظاهر فوق كل شيء بقدرته. وقد يكون الظهور بمعنى العلوِّ، ويكون بمعنى الغلبة. والباطن: هو المحتجب عن أبصار الخلق الذي لا يستولي عليه توهُّم الكيفية. وقد يكون معنى الظهور والبطون: احتجابه عن أبصار الناظرين، وتجلِّيه لبصائر المتفكِّرين. ويكون معناه: العالم بما ظهر من الأمور، والمطَّلع على ما بطن من الغيوب {هو الذي خلق السموات والأرض} مفسر في [الأعراف: 54] إلى قوله تعالى: {يعلم ما يلج في الأرض} وهو مفسر في [سبأ: 2] إلى قوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} أي: بعلمه وقدرته. وما بعده ظاهر إلى قوله تعالى: {آمنوا بالله ورسوله} قال المفسرون: هذا الخطاب لكفار قريش {وأنفِقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} يعني: المال الذي كان بأيدي غيرهم، فأهلكهم الله، وأعطى قريشاً ذلك المال، فكانوا فيه خلفاء من مضى.


قوله تعالى: {وما لكم لا تؤمنون بالله} هذا استفهام إِنكار، والمعنى: أيُّ شيء لكم من الثواب في الآخرة إذا لم تؤمنوا بالله {وقد أخذ ميثاقكم؟} قرأ أبو عمرو {أُخذ} بالرفع. وقرأ الباقون {أخذ} بفتح الخاء {ميثاقَكم} بالفتح. والمراد به: حين أُخرجتم من ظهر آدم {إن كنتم مؤمنين} بالحجج والدلائل.
قوله تعالى: {هو الذي ينزِّل على عبده} يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم {آياتٍ بيناتٍ} يعني: القرآن {ليخرجكم من الظلمات} يعني الشرك {إلى} نور الإيمان {وإن الله بكم لرؤوف رحيم} حين بعث الرسول ونصب الأدلة. ثم حثهم على الإنفاق فقال: {وما لكم ألاَّ تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض} أي: أي شيءٍ لكم في ترك الإنفاق مما يقرب إلى الله عز وجل وأنتم ميتون تاركون أموالكم؟! ثم بين فضل من سبق بالإنفاق فقال: {لا يستوي منكم من أنفق من قبلِ الفتح} وفيه قولان:
أحدهما: أنه فتح مكة، قاله ابن عباس، والجمهور.
والثاني: أنه فتح الحديبية، قاله الشعبي. والمعنى: لا يستوي من أنفق قبل ذلك {وقاتل} ومن فعل ذلك بعد الفتح. قال المفسرون: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق. {أولئك أعظم درجةً} قال ابن عباس: أعظم منزلةً عند الله. قال عطاء: درجات الجنة تتفاضل، فالذين أنفقوا من قبل الفتح في أفضلها. قال الزجاج: لأن المتقدمين كانت بصائرهم أنفذ، ونالهم من المشقة أكثر {وكلاً وعد الله الحسنى} أي: وكلا الفريقين وعده الله الجنة. وقرأ ابن عامر {وكُلٌّ} بالرفع.
قوله تعالى: {من ذا الذي يُقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفَه له} قرأ ابن كثير، وابن عامر {فيضعِّفَه} مشددة بغير ألف، إِلا أن ابن كثير يضم الفاء، وابن عامر يفتحها. وقرأ نافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي {فيضاعفُه} بالألف وضم الفاء، وافقهم عاصم، إلا أنه فتح الفاء. قال أبو علي: يضاعِف ويضعِّف بمعنى واحد، إلا أن الرفع في يضاعف هو الوجه، لأنه محمول على يُقرض. أو على الانقطاع من الأول، كأنه [قال:] فهو يضاعف. ويحمل قول الذي نصب على المعنى، لأنه إذا قال: من ذا الذي يُقرض اللهَ، معناه: أيقرض اللهَ أحدٌ قرضاً فيضاعفه. والآية مفسرة في [البقرة: 245] والأجر الكريم: الجنة.


قوله تعالى: {يسعى نورهم} قال المفسرون: يضيء لهم نور عملهم على الصراط على قدر أعمالهم. قال ابن مسعود: منهم مَن نوره مثل الجبل، وأدناهم نوراً نوره على إبهامه يطفئ مرة، ويتَّقد أخرى. وفي قوله تعالى: {وبأيمانهم} قولان:
أحدهما: أنه كتبهم يعطَونها بأيمانهم، قاله الضحاك.
والثاني: أنه نورهم يسعى، أي: يمضي بين أيديهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم. والباء بمعنى: في. وفي بمعنى عن هذا قول الفراء.
قوله تعالى: {بشراكم اليوم} هذا قول الملائكة لهم.
قوله تعالى: {انظرونا نقتبس} وقرأ حمزة: {أنظِرونا} بقطع الهمزة، وفتحها، وكسر الظاء. قال المفسرون: يغشى الناس يوم القيامة ظلمة شديدة، فيعطَى المؤمنون النور، فيمشي المنافقون في نور المؤمنين، فإذا سبقهم المؤمنون قالوا: انظرونا نقتبس من نوركم {قيل: ارجعوا وراءكم} في القائل قولان:
أحدهما: أنهم المؤمنون، قاله ابن عباس.
والثاني: الملائكة، قاله مقاتل. وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال.
أحدها: ارجعوا إلى المكان الذي قبستم فيه النور، فيرجعون، فلا يرون شيئاً.
والثاني: ارجعوا فاعملوا عملاً يجعله الله لكم نوراً.
والثالث: أن المعنى: لا نور لكم عندنا {فضرب بينهم بسُور} قال ابن عباس: هو الأعراف، وهو سُورٌ بين الجنة والنار {باطنه فيه الرحمة} وهي: الجنة {وظاهره} يعني: من وراء السور {من قِبله العذاب} وهو جهنم. وقد ذهب قوم إلى أن هذا السور يكون ببيت المقدس في مكان السور الشرقي بين الوادي الذي يسمى: وادي جهنم، وبين الباب الذي يسمى: باب الرحمة، وإلى نحو هذا ذهب عبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو، وكعب.
قوله تعالى: {ينادونهم} أي: ينادي المنافقون المؤمنين من وراء السور: {ألم نكن معكم} أي: على دينكم نصلي بصلاتكم، ونغزو معكم؟! فيقول لهم المؤمنون: {بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم} قال الزجاج: استعملتموها في الفتنة. وقال غيره: آثمتموها بالنفاق {وتربَّصتم} فيه قولان:
أحدهما: تربَّصتم بالتوبة.
والثاني: تربَّصتم بمحمد الموتَ، وقلتم: يوشك أن يموت فنستريح {وارتبتم} شككتم في الحق {وغرَّتكم الأمانيُّ} يعني: ما كانوا يتمنَّون من نزول الدوائر بالمؤمنين {حتى جاء أمر الله} وفيه قولان:
أحدهما: أنه الموت.
والثاني: إلقاؤهم في النار {وغركم بالله الغَرور} أي: غركم الشيطان بحكم الله وإمهاله {فاليوم لا يؤخذ منكم فدية} وقرأ أبو جعفر، وابن عامر، ويعقوب {لا تؤخذ} بالتاء، أي: بدل وعوض عن عذابكم. وهذا خطاب للمنافقين، ولهذا قال تعالى: {ولا من الذين كفروا}.
قوله تعالى: {هي مولاكم} قال أبو عبيدة: أي: أولى بكم.

1 | 2 | 3 | 4